الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مجيب السائلين ما يقول علامة الزمان والفائق على سائر الأقران في الجواب عن أسئلة على وجه يرتفع عنها غريب الأشكال حتى تهدي الطالب لوجه الحق فيها على أحسن حال:الأول هل الوضع في أسماء الإشارة للمعنى العام أو للخصوصيات المشتركة فإن قلت بالأول ورد أنه لا يجوز إطلاقها عليه إذ لا يطلق إلا على الخصوصيات فلا يقال هذا والمراد أحد مما يشار إليه ولو كان كما يقول لجاز ذلك كما في رجل مع أنه يلزم أن يكون استعماله في الخصوصيات مجازا ولا قائل به وإن قلت إنه موضوع للخصوصيات لزمك أن يكون المعنى مشتركا لفظيا ولا قائل به مع أنه يشار به إلى أمر كلى مذكور وذلك ينافي وضعه للخاص، الثاني اطلاق العام وإرادة الخاص أحقيقة أم مجاز فإن قلت بالأول أورد أنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له فكيف يكون حقيقة وإن قلت بالثاني ورد ما ذكره بعض المحققين من أنه قد يكون في هذه الحالة حقيقة، الثالث هل الإنسان بالنسبة إلى الأب والابن مشكك أم متواطئ، الرابع هل ينطبق على مجاز الزيادة والنقصان تعريف المجاز بأنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة أم لا، الخامس أن العلاقة في مثل قوله تعالى (وجزاء سيئة سيئة) ما هي ومن أي الأنواع المذكورة في العلاقة، السادس وهو أعظمها إشكالا كيف صح التكليف بالأيمان مع أن بالأيمان في الشرع هو التصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وكل تصديق فهو كيف فالأيمان كيف ولا شيء من الكيف بمكلف به فلا شيء من الأيمان بمكلف به أما الصغرى فواضحة وأما الكبرى فلما تقرر في الأصول من أنه لا تكليف إلا بفعل والمسؤول من الأستاذ المحقق والمولى المدقق كشف الحجاب عن هذه الأسئلة بإيضاح الصواب. الجواب: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وردت على هذه الأسئلة من مولى لا يخفى على مثله جوابها ولا يطلب من غيره صوابها غير أنه قصد بذلك تجديد العهد القديم وتذكير الود القديم، فأقول والله الهادي إلى صراط مستقيم هذه الأسئلة كلها مسطورة وأجوبتها معروفة مشهورة. (أما السؤال الأول): فقد ذكره وجوابه القرافي علامة المالكية لكن في المضمر فقال اختلف الفضلاء في مسمى المضمر حيث وجد هل هو جزئي أو كلى فقال الأكثرون مسماه جزئي واحتجوا بإجماع النحاة على أنه معرفة ولو كان مسماه كليا لكان نكرة وبأنه لو كان كليا كان دالا على ما هو أعم من الشخص المعين والقاعدة العقلية أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فيلزم أن لا يدل المضمر على شخص خاص البتة وليس كذلك وهذا معنى قول السائل حفظه الله وإن قلت بالأول ورد أنه لا يجوز اطلاقها عليه إلى آخره ثم قال القرافي وذهب الأقلون وهو الذي أجزم بصحته إلى أن مسماه كلي قال والدليل عليه أنه لو كان مسماه جزئيا لما صدق على شخص آخر إلا بوضع آخر كالإعلام فإنها لما كان مسماها جزئيا لم يصدق على غير من وضعت له إلا بوضع ثان فإذا قال قائل أنا فإن كان اللفظ موضوعا بإزاء خصوصه من حيث هو هو وخصوصه ليس موجودا في غيره فيلزم أن لا يصدق على غيره إلا بوضع آخر وإن كان موضوعا لمفهوم المتكلم بها وهو قدر مشترك بينه وبين غيره والمشترك كلي فيكون لفظ أنا حقيقية في كل من قال أنا لأنه متكلم بهذا الذي هو مسمى اللفظ فينطبق ذلك على الواقع قال والجواب عما احتج به الأولون أن دلالة اللفظ على الشخص المعين لها سببان إحداهما وضع اللفظ بأزاء خصوصه فيفهم الشخص حينئذ للوضع بازاء الخصوص وهذا كالعلم، والثاني أن يوضع اللفظ بازاء معنى عام ويدل الواقع على أن مسمى اللفظ محصور في شخص معين فيدل اللفظ عليه لانحصار مسماه فيه لا للوضع بازائه ومن ذلك المضمرات وضعت العرب لفظة أنا مثلا لمفهوم المتكلم بها فإذا قال القائل أنا فهم هو لأن الواقع أنه لم يقل هذه اللفظة الآن إلا هو ففهمناه لانحصار المسمى فيه لا للوضع بأزائه وكذلك بقية المضمرات قال وبهذا يحصل الجواب عن القاعدة العقلية أن اللفظ الموضوع لمعنى أعم لا يدل على ما هو أخص منه فإن الدلالة لم تأت من اللفظ وإنما أتت من جهة حصر الواقع المسمى في ذلك الأخص، هذا كلام القرافي ملخصا، وما قاله في المضمرات بعينه في اسم الإشارة، وقول السائل حفظه الله إن قلت بالأول ورد كذا وإن قلت بالثاني لزم أن يكون مشتركا لفظيا ولا قائل به إلى آخره جوابه أنه ليس من باب المشترك ولا من باب المجاز بل من باب الوضع للقدر المشترك والوضع للقدر المشترك معروف في الأصول في مواضع فليس الوضع منحصرا فيما ردد السائل فهذا مثلا وضع لمشار إليه مفرد ذكر حاضرا و في حكمه وهو مفهوم كلي وانحصاره في خاص ليس للوضع بازائه بل لأن المتكلم لم يشر به الآن إلا لزيد مثلا وهذا معنى قول بعض النحاة المحققين أن المضمر واسم الإشارة كلي وضعا جزئي استعمالا ونظيره قول بعض الأصوليين أن الأمر موضوع للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب حذرا من المجاز والاشتراك فاستعمال صيغة الأمر في الندب وفي الوجوب مثلا نقول في كل منهما إنه حقيقة غير مجاز وغير مشترك لأن الوضع على هذا القول ليس لكل منهما ولا لواحد منهما ثم استعمل في غيره وإنما هو لمعنى صادق على كل منهما وهو الطلب وكذا نقول في اسم الإشارة والمضمر: ليس الوضع فيهما لواحد فقط بحيث يستعمل في غيره مجازا ولا لكل واحد بحيث يكون مشتركا بل لمفهوم صادق على كل فرد وهو في اسم الإشارة مشار إليه مفرد ذكر حاضر كما قلناه وفي المضمر متكلم مفرد أو غيره كما قاله القرافي. (وأما السؤال الثاني): وهو أن العام المراد به الخصوص هل هو حقيقة أو مجاز فجوابه أنه مجاز قطعا كذا ذكره جماعة منهم ابن السبكي في جمع الجوامع وقول السائل حفظه الله إن بعض المحققين ذكر أنه قد يكون في هذه الحالة حقيقة فجوابه أن المحقق المشار إليه هو الشيخ تقي الدين السبكي والد صاحب جمع الجوامع فإنه ذكر ذلك في بعض تصانيفه لكن بحثا من عنده بعد حكايته الإجماع على خلافه وفرعه على القول بأن دلالة العام على كل فرد من أفراده دلالة مطابقة لأنه حينئذ ليس استعمالا للفظ في غير موضوعه ولا في بعض موضوعه بل هو كاستعمال المشترك في أحد معنييه وهو استعمال حقيقي هذه عبارته وقد عرف بكلامه هذا توجيه ما ذهب إليه ورد ما أورده السائل على القول بأنه حقيقة. (وأما السؤال الثالث): وهو أن الإنسان بالنسبة إلى الأب والابن مشكك أو متواطئ فجوابه أنه متواطئ لأنه متساوي المعنى في ذلك ولأن الاختلاف في ذلك ليس بأمور من جنس المسمى كالبياض والنور بل بأمور خارجة عنه كالذكورة والأنوثة وهذه علامة المتواطئ كما قرره أهل الأصول. (وأما السؤال الرابع): وهو أنه هل ينطبق على مجاز الزيادة والنقصان تعريف المجاز إلى آخره فجوابه أنا نقول أولا اختلف في الزيادة والحذف هل هما من قبيل المجاز فذهب ذاهبون إلى أنهما ليسا من قبيل المجاز وعلى هذا لا إيراد وذهب آخرون إلى أنهما من قبيل المجاز وأورد عليه أن تعريف المجاز لا يصدق عليهما وفصل آخرون منهم صاحب الإيضاح البياني فقال إن كان الحذف والزيادة يوجبان تغيير الإعراب فمجاز وإلا فلا، وقال القرافي الحذف أربعة أقسام ليس منها مجاز إلا قسم واحد وهو ما يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد نحو واسئل القرية إذ لا يصح إسناد السؤال إليها وبقية الأقسام ليست من أنواع المجاز، وقال صاحب المعيار إنما يكون الحذف مجازا إذا تغير حكمه فإن لم يتغير كحذف خبر المبتدأ المعطوف على جملة فلا. فأنت ترى هذه الأقوال كالمتضافرة على عدم انطباق تعريف المجاز عليه مع أننا لو شئنا لتمحلنا وجها لانطباقه عليه مطلقا لكن الذي نختاره في هذا ما ذهب إليه القرافي وصاحب الإيضاح وانطباق المجاز على ما ذكراه واضح. (وأما السؤال الخامس): وهو أن العلاقة في مثل (وجزاء سيئة سيئة) ما هي فأقول ما أحسن هذا السؤال وألطفه ولقد أثلج خاطري بموافقة السائل حفظه الله تعالى على أن هذا من نوع المجاز وإنما قلت ذلك لأني رأيت بعض متأخري أهل البيان قال في نوع المشاكلة الذي هذه الآية فرد من أفراد أمثلتها أنه واسطة بين الحقيقة والمجاز وقال وليس بحقيقة لأنه استعمال اللفظ في ما لم يوضع له ولا مجاز لعدم العلاقة المعتبرة هكذا قال وليس بشيء وقد نازعته في ذلك قديما في كتاب شرح ألفية المعاني واخترت أنه مجاز قطعا وأن ما قاله من عدم العلاقة ممنوع فإن قلت ما العلاقة قلت الشكل والشبه الصوري كما يطلق الإنسان والفرس على الصورة المصورة وكذا الجزاء أطلق عليه سيئة لكونه مثل السيئة المبتدأ بها في الصورة وكذا قوله (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) أطلق على الجزاء اعتداء لشبهه بالاعتداء المبتدأ به في الصورة. (وأما السؤال السادس): في الإيمان فهو سؤال مذكور مسطور أجاب عنه جماعة منهم خاتمة المحققين الشيخ جلال الدين المحلي في شرح جمع الجوامع فقال التكليف بالتصديق وإن كان من الكيفيات النفسية دون الأفعال الاختيارية المراد به التكليف بأسبابه كالقاء الذهن وصرف النظر وتوجب الحواس ورفع الموانع هذه عبارته فهذا ما حضرنا في الجواب عن هذه الأسئلة وقد علقت هذا الجواب ساعة ورودها عليّ فانظروا فيه فإن رضيتموه وإلا فأتحفوا بجوابكم ما قاله عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي يوم السبت العشرين من رجب سنة ثمان وسبعين وثمانمائة وسميته نفح الطيب من أسئلة الخطيب، فكتب الشيخ شمس الدين الوزيري على هذه الأجوبة ما صورته الحمد لله رب العالمين أقول وبالله العون والتوفيق بيده أزمة الهدى والتحقيق لم يظهر مما ذكره العلامة من هذه الأجوبة دفع هذه الأسئلة، أما الجواب عن السؤال الأول فقوله فيه وهذا معنى قول السائل فإن قلت بالأول ورد أنه لا يجوز إلى آخره مشيرا إلى ما نقله القرافي عن الأكثرين من أنه لو كان مسماه كليا إلى قوله على خاص البتة وليس كذلك ليس الأمر كما زعم فإن اللازم من كون مسماه كليا على ما ذكره الأكثرون أمران الأول كونه نكرة والثاني عدم دلالته على شخص وهما غير ما ألزمه السائل على تقدير كون المسمى كليا حيث قال فإن قلت بالأول ورد فإن اللازم على ما ذكره أمران أحدهما جواز إطلاق لفظ المعنى العام مع أنه لا يطلق عليه والثاني أن يكون استعماله في الخصوصيات مجازا هذا مع أن القرافي لم يجب عن الإلزام الأول في كلام الأكثرين وهو قولهم لو كان مسماه كليا لكان نكرة وإنما أجاب عن الثاني كما لا يخفى على من تأمل كلامه فقد تبين انه لا شيء من السؤال وجوابه بمذكور في كلام القرافي كما ذكره العلامة وقوله جوابه أنه ليس من باب المشترك إلى آخره صريح في أن ما أجاب به هو اختيار قسم ثالث غير القسمين اللذين في كلام السائل ومحصل جوابه أن اسم الإشارة كهذا مثلا وضع للقدر المشترك وهو المفهوم الكلي المعبر عنه بقولنا مشار إليه مفرد مذكر حاضر أو في حكمه وهو الذي اختاره القرافي في المضمر من أن مسماه كلي كما اعترف به العلامة في آخر جوابه وأنت تعلم أن هذا هو القسم الأول في كلام السائل أعني قوله هل الوضع في أسماء الإشارة للمعنى العام والعجب كيف خفي مثل هذا على العلامة مع ظهوره على هذا فاللازم على القسم الأول باقي بحاله إذ ليس في كلامه حفظه الله ما يدفعه، وأما الجواب عن السؤال الثاني فقوله إنه مجاز هو اختيار القسم الثاني وقد عرف ما يرد عليه من كلام بعض المحققين، وأما قوله أن المحقق المشار إليه هو الشيخ تقي الدين السبكي فليس كذلك فإن مقتضى كلام السبكي أنه حقيقة عنده دائما وأما ذلك المحقق فلم يقل بأنه حقيقة مطلقا بل في بعض الأحوال كما يشعر به قول السائل ورد ما ذكره بعض المحققين من أنه قد يكون في هذه الحالة حقيقة وحاصل السؤال أن الجواب بأنه مجاز إطلاق في محل التقييد وأما قول العلامة السبكي أن دلالة العام على كل فرد من أفراده دلالة مطابقة فإن أراد أن العام إذا أطلق وأريد به الخاص كان دالا عليه مطابقة فهو خلاف ما أطبق عليه المحققون من أنه لا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات الثلاث وقد ظهر بهذا أن ما أورده السائل على القول بأنه حقيقة كلام لا غبار عليه. وأما الجواب عن السؤال الثالث ففيه أنه جعل حفظه الله علامة التواطؤ أن لا يختلف بأمور من جنس المسمى ومقتضاه أن علامة التشكيك الاختلاف بأمور من جنس المسمى ليست خارجة وهذا مما لم تره في كلام أحد فإن التشكيك يكون بالتقدم والتأخر وبالشدة والضعف وبالأولوية وكلها أمور خارجة عن المسمى ثم إن قوله لأنه متساوي المعنى ما يحتاج إلى بيان فإن الإنسان متقدم في الأب على الابن فقد تفاوت أفراد الكلى بالتقدم والتأخر وذلك يقتضي التشكيك، وأما الجواب عن السؤال الرابع ففيه أنه اختار أنه مجاز بشرط ثم ادعى أن انطباق حد المجاز عليه الواضح فليس كذلك بل واضح عدم الانطباق ألا ترى أن قوله تعالى (واسئل القرية) ليس فيه لفظ استعمل فيما وضع له لعلاقة فإن لفظ السؤال مستعمل فيما وضع له وكذا لفظ القرية، وقد صرح بذلك جماعة من المحققين منهم النحرير التفتازاني والعلامة الجلال المحلي على أنه لم يظهر تضافر الأقوال التي حكاها على عدم انطباق تعريف المجاز عليه فإن محصل الأقوال حاشا الأول أنه يطلق عليه المجاز إما مطلقا وإما بشرط وإما أنه هل ينطبق تعريف المجاز عليه أولا فأمر مسكوت عنه على أنها ظاهرة في الانطباق. (وأما الجواب عن السؤال الخامس) فتحصيله أن العلاقة في مجاز المشاكلة التي الآية من أفرادها هو الشبه الصوري حتى أنه أطلق على جزاء السيئة سيئة لكونها مثلها في الصورة وفيه أن ذلك يخرج الآية عن باب المشاكلة إلى باب الاستعارة فإن المشاكلة على ما ذكره المحقق التفتازاني هي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته وقد صرح التفتازاني بذلك في بعض كتبه حيث قال السيئة استعارة عما يشبه السيئ صورة ثم قال لكن وصف السيئة بقوله مثلها يأبى هذه الاستعارة لأنه بمنزلة أن تقول زيد أسد مثله والحق أن الآية من قبيل المشاكلة انتهى فأنت ترى كيف جعل الآية باعتبار الشبه الصوري من باب الاستعارة لا من باب المشاكلة على أن ما ذكره العلامة من أن العلاقة في نوع المشاكلة هو الشبه الصوري لا يتمشى في قوله: قالوا اقترح شيأ نجد لك طبخه * قلت اطبخوا لي جبة وقميصا إذ لا مشابهة بين الطبخ والخياطة في الصورة كما لا يخفى. وأما الجواب عن السؤال السادس فهو كما ذكره أعزه الله تعالى وهذا الجواب قد أخذه العلامة المحلي من كلام المحقق التفتازاني ومحصله أن الإيمان لم يكلف به وإنما كلف بأسبابه وفيه من الأشكال ما لا يخفى قال ذلك وكتبه العبد الفقير إلى الله تعالى المغطى بالزلل والتقصير راجي عفو ربه القريب القدير محمد بن إبراهيم المسمى بالخطيب في ليلة يسفر صباحها عن اليوم الرابع والعشرين من شهر رجب الفرد سنة ثمان وسبعين وثمانمائة فكتب شيخنا الإمام العالم العامل العلامة البحر الحبر الفهامة خاتمة الحفاظ والمجتهدين جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام والمسلمين كمال الدين ابن أبي بكر السيوطي الشافعي أعز الله تعالى به الدين وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين الأجوبة عن هذه الاعتراضات بما نصه الحمد لله أقول والله الهادي للصواب وإليه المرجع والمآب وردت على هذه الاعتراضات فتأملتها بعين الإنصاف فوجدتها غير واردة وها أنا أسوق كلماتها مع الجواب عنها واحدة واحدة قوله ليس الأمر كما زعم فإن اللازم من كون مسماه كليا على ما ذكره الأكثرون أمران كونه نكرة وعدم دلالته على شخص وهما غير ما ألزمه السائل عليه وذلك أمران جواز إطلاقه على المعنى العام مع أنه لا يطلق عليه وكون استعماله في الخصوصيات مجازا أقول ليس الأمر كذلك بل أحد إلزامي الأكثرين هو أحد إلزامي السائل بعينه الذي أشرت إليه في الجواب وهو عدم دلالته على شخص معين وبيان ذلك أن الأكثرين قالوا يلزم من كونه وضع للمعنى العام أنه لا يدل إلا عليه فبطل الملزوم وهو كونه كليا وهذا مؤدى قول السائل أنه يلزم على كونه كليا جواز إطلاقه على المعنى العام مع أنه لا يطلق عليه أي وإنما يطلق على الخاص فمؤدى العبارتين واحد بلا شك غاية ما في الباب أن بينهما قلبا لفظيا فإن العبارة الثانية هي مقلوب العبارة الأولى وفي كل من العبارتين مقدرات اقتضاها الإيجاز لا بد من إظهارها ليتم المطلوب من الاستمتاج فعند إظهارها وتفكيك الكلام ينحل مؤداها إلى واحد وإذا تقرران هذا الإلزام الذي ذكره السائل هو عين الإلزام الذي ذكره الأكثرون فقد حصل الجواب عنه بما أجاب به القرافي ومحصله أنا لو خلينا ومقتضى الوضع لأطلق على العام وإنما منع منه ما عرض عند الاستعمال من حصر الواقع المسمى في شخص خاص وحاصل هذا الجواب منع التلازم بين الوضع والإطلاق فقد يوضع الشيء للعام ولا يستعمل إلا خاصا بدليل الشمس فإنها وضعت كليا ولا تستعمل إلا جزئيا وأوضح منه ما ذكره القرافي من تشبيه ذلك بالإعلام الغالبة فإنها وضعت كلية ثم غلب استعمالها في خاص فصارت أعلاما بالغلبة وسنزيد هذا وضوحا قريبا، وقوله أن القرافي لم يجب عن الإلزام في كلام الأكثرين وهو قولهم لو كان مسماه كليا لكان نكرة وإنما أجاب عن الثاني أقول ممنوع فقد صرح القرافي نفسه أن الجواب الذي ذكره جواب عن الإلزامين وأنا لم أسق كلامه بلفظه بل أوردته ملخصا كما نبهت في آخره ونكتة عدم تعرضي لما يوضع كونه جوابا عن الإلزام الآخر من كونه نكرة إنه لا ذكر له في كلام السائل البتة فاستغنيت عن إيراده، وعبارة القرافي وأما قولهم في الوجهين يعني اللذين احتجوا بها فالجواب عنه واحد وهو أن دلالة اللفظ وساق ما قدمته عنه إلى أن قال فلما كان حصر مسمى اللفظ في شخص معين من الواقع قال النحاة هي معارف فإن فهم الجزئي لا يكاد ينفك عنها هذا لفظه فأشار أولا إلى أن الجواب عن الإلزامين معا وأتى آخرا بهذه الجملة لتقرير الجواب عن لزوم كونه نكرة ومتحصل كلامه أنه أجاب عن الإلزامين معا بجواب واحد إما كونه يدل على خاص ولا يدل على العام فلما عرض في الاستعمال لا لأمر في أصل الوضع وأما كونه معرفة لا نكرة فلأن فهم الجزئي لا يكاد ينفك عنه ومعلوم عندك أن التعريف و التنكير لا تلازم بينهما وبين الوضع حتى يقال أن وضعه كليا يستلزم كونه نكرة ووضعه جزئيا يستلزم كونه معرفة لأن التعريف يحدث بعد الوضع لما يعرض في الاستعمال ألا ترى أن رجلا وضع نكرة وإذا نودي مع القصد صار معرفة وليس لك أن تقول أن التعريف حصل من الوضع أيضا لأن يا وضعت لتعريف المنادى لأنا نقول ذلك مردود بوجهين أحدهما أن ياقد توجد ولا تعريف في نداء غير المقصود والثاني قول النحاة أن تعريف المنادى المقصود إنما هو بالقصد والمواجهة كاسم الإشارة وجعلوه في مرتبته فهذا أول دليل على أن التعريف في الإشارة إنما حصل بالمواجهة ونحوها دون أصل الوضع فهو أمر طارئ عليه وحادث بعده فلا تنافى بين وضع الإشارة والمضمر كليا وكونه معرفة مستعملا في الجزئي ومما يدل على أن التعريف والتنكير لا تعلق لهما بالوضع وإنما هما من الاستعمال قول خلائق من النحاة إن المضمر قد يكون نكرة وذلك في الضمير المجرور برب وقول آخرين إن الضمير العائد على النكرة نكرة مطلقا وقول آخرين إن العائد على واجب التنكير كالتمييز نكرة فإن تخيلت أن التنكير والتعريف في المضمر من أصل الوضع لزمك الاشتراك اللفظي وتعدد الوضع ولا قائل به وإن سلمت أنه حادث في الاستعمال فهو المدعى وبه يحصل الانفصال عن الإلزام وإن قلت أنه وضع معرفة واستعماله نكرة عارض من الاستعمال فبعيد مع أنه يثبت مدعانا أيضا بطريق قياس العكس إذ لا فارق فثبت بهذا كله أن الضمير واسم الإشارة وضعا للمعنى العام وعدم إطلاقهما عليه إنما هو لما عرض في الاستعمال كالأمر في أصل الوضع وهذا تحقيق القول بأنه كلي وضعا جزئي استعمالا وهو من أحسن ما قيل واندفع أحد الإلزامين اللذين أوردهما السائل ثم بتقرير كونه وضع للمعنى العام الذي هو القدر المشترك والمفهوم الكلي يكون استعماله في آحاد ما يصدق عليه حقيقة لا مجازا كما هو شأن الوضع للقدر المشترك فاندفع الإلزام الثاني كما لا يخفى وقوله إنما في جوابنا من كونه ليس من باب المشترك إلى آخره صريح في أنه اختيار قسم ثالث غير القسمين اللذين في كلام السائل إلى أن قال وأنت تعلم أن هذا هو القسم الأول في كلام السائل أقول كان المعترض حفظه الله يشير إلى أنه وقع في كلامنا تناقض ثم جزم بذلك وادعى أنه خفي علينا وليس كذلك وهذه غفلة عظيمة من المعترض أعزه الله أحاسبه بها وبيان ذلك أن القسمين اللذين في كلام السائل اللذين ما اخترناه في التوجيه غيرهما ليسا بالقسمين اللذين ما اخترناه في التعيين أحدهما فالقسمان الأولان هما الالزامان الواردان والآخران هما الملزوم عنهما المورد عليهما فلا تناقض لاختلاف مورد القسمة والحاصل أن السائل أورد قسمين وطلب تعيين أحدهما وهما هل هو للعام أو الخاص فعينا الأول ثم أورد على القسمين ثلاث الزامات على الأول اثنان وعلى الثاني واحد فأجبنا عن أول الزاميه بمنع التلازم بين الوضع والإطلاق وعن الثاني بتقرير كونه وضع للقدر المشترك فاندفع المجاز كما اندفع الاشتراك اللفظي وهو الثالث ضرورة فتقريرنا كونه للقدر المشترك هو عين القسم الأول من القسمين المطلوب تعيين أحدهما وهو كونه للعام وغير المجاز والاشتراك الموردين على القسم الأول والثاني فأي تناقض في هذا وقوله فاللازم على القسم الأول باق بحاله قول ممنوع بل ذهب في الغابرين وانقطع في الداحضين أما الإطلاق فيمنع التلازم وأما المجاز فبكونه للقدر المشترك وسندهما ما تقدم واضحا وبهذا أقيم الجواب ويتضح الصواب وينكشف الحجاب وتطلع الشمس المنيرة ليس دونها سحاب، قوله وأما الجواب عن السؤال الثاني فقوله أنه مجاز هو اختيار القسم الثاني وقد عرف ما يرد عليه من كلام بعض المحققين إلى آخره أقول قصارى ما ذكره السائل عن بعض المحققين أنه ذهب إلى قول مفصل في مقابلة قطع الجمهور بأنه مجاز ومعلوم عندك أن المسألة ذات الأقوال لا يكون قول منها واردا على القول الآخر وإنما يصلح للإيراد تقرير شبهة أو إلزام أمر فاسد والسائل قال ورد ما ذكره بعض المحققين من أنه قد يكون حقيقة فلم يورد إلا القول لا الإلزام ولا الشبهة وهذا ما لا يصلح إيراده وأنا لم أر في المسألة بعد قطع الناس بأنه مجاز إلا بحث السبكي فلنذكر شبهة هذا المحقق الآخر لينظر في جوابها ودفعها أو في التوفيق بينها وبين كلام الجمهور وقوله أن ما قاله السبكي من أن دلالة العام دلالة مطابقة خلاف ما أطبق عليه المحققون يقال عليه وهو أولا من المحققون أن كانوا من المتأخرين كالعضد ونحوه فكلامهم لا يصلح أن يعارض به المنقول عن الجم الغفير وإنما يذكر على سبيل البحث والتخلية والتعبير بلفظ أطبق تهديل وليس صحيحا في نفسه كيف والمجزوم به في كتب الأصول ذلك أعنى أن دلالته بالمطابقة ولم أقف على من نازع في ذلك إلا القرافي وقد رد عليه الأصفهاني في شرح المحصول فشفى وكفى وقوله وأما الجواب عن السؤال الثالث ففيه أنه جعل علامة التواطئ أن لا يختلف بأمور من جنس المسمى ومقتضاه أن علامة التشكيك الاختلاف بأمور من جنس ليست خارجة وهذا مما لم نره في كلام أحد أقول نحن قد رأيناه في كلام القرافي جزم بذلك بهذا اللفظ في الجانبين ونقله عنه غيره واحد وإلا فانظروه تجدوه والعذر لكم في هذا وأمثاله أنكم تقتصرون في كتب الأصول والبيان على نحو العضد والحاشية والمطول والحاشية فتجدون فيها أبحاثا فتظنون أنها منقولات أهل الفن أو المجزوم بها فتعتمدونها وتدعون أن المحققين عليها وتشربها قلوبكم وتضربون عن غيرها صفحا ولو تجاوزتم إلى كتب المتقدمين والمتأخرين وألممتم بما حوته من الأقوال المختلفة والمباحث المتفرقة والتفريعات لعلمتم حقيقة الأمر في ذلك وأنا لا اعتمد في الأصول على أناس قصارى أمرهم الرجوع إلى القواعد المنطقية وتنزيل القواعد الأصلية عليها أبدا إنما اعتمد على أئمة جامعين للأصول والفقه متضلعين منها محيطين بقواعدهما عارفين بتركيب الفروع على الأصول قد خالطت علوم الشرع والسنن لحومهم ودمائهم فأين أنت من رسالة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه مبتكر هذا الفن وما عليها من الشروح المغطية وما تلا ذلك إلى كتب إمام الحرمين والكيا الهراسي وحجة الإسلام الغزالي والإمام فخر الدين الرازي والسيف الآمدي وهلم جرا وبعد فالإنسان بالنسبة إلى الأب الابن متواطئ قطعا لأن معناه مستوفي النسبة إليهما بلا شبهة كيف ومعنى الإنسان الحيوان الناطق وهذا المعنى لا يتفاوت بالنسبة إلى الأب والابن كما لا يتفاوت بالنسبة إلى الذكر والأنثى والعالم والجاهل والطويل والقصير وتفاوته بالتقدم والتأخر كتفاوته بالنسبة إلى المذكورات وليس بالنسبة لماهية الإنسان التي هي الحيوانية والناطقية بخلاف تفاوت النور في الشمس والسراج فإنه بالنظر إلى جنس المسمى وماهيته هذا أمر لا شبهة فيه، قوله وأما الجواب عن السؤال الرابع إلى آخره أقول ما ادعاه من كون لفظ القبيح مستعملا فيما وضع له وإن صرح به جماعة جوابه المنع ومن صرح بذلك لم يقله على قول الجمهور أنه مجاز لغوي إنما قاله بناء على قول من قال أنه مجاز عقلي فجعل القرية المستعملة في حقيقتها كما سئل والمجاز في إسناد السؤال إليها فهو على هذا مجاز تركيب لا مجاز إفراد وليس الكلام فيه وأما على القول بأنه مجاز إفراد فالقرية قطعا مستعملة في غير ما وضعت له وهو الأهل فإنها قائمة مقامه في المعنى كما قامت مقامه في الإعراب وبهذا يظهر انطباق حد المجاز على مثل هذا، وقوله لم يظهر تضافر الأقوال التي حكاها على عدم الانطباق جوابه أني لم أدعي التضافر وإنما قلت كالمتضافرة وشتان ما بين العبارتين عند البلغاء ووجه ذلك أن اختلافهم في كونه مجاز بين ناف مطلقا وتفصيلا دليل على أن آراءهم اقتضت عدم دخوله في حد المجاز حتى اضطربوا فيه فقال بعضهم أنه ليس منه مطلقا ورأى بعضهم أنه ليس منه مطلقا ورأى بعضهم أن منه نوعا قريب الدخول فيه فأدخله فيه وأنواعا بعيدة فلم يدخلها فيه فكل لبيب يفهم بالقوة من هذا الاختلاف والاضطراب أنه إنما نشأ عن اقتضاء آرائهم بعده عن الدخول في حد المجاز وأنا لم أقل إنها مصرحة بذلك بل عبرت بعبارة تشعر بخلاف ذلك فقوله أن الانطباق وعدمه أمر مسكوت عنه غير وارد حينئذ لأني لم أدع التصريح به بل أتيت بما يدل على أنه يؤخذ منه بالقوة وقوله على أنها ظاهرة في الانطباق ان أراد انها ظاهرة في انطباق حد المجاز على كل حذف فممنوع إلا القول الثاني كيف والمفصلون يأبون تسمية من أنواعه مجازا والنافي مطلقا واضح وإن أراد أنها ظاهرة في الانطباق على ما يسمونه مجازا فصحيح وهو ما ادعيناه في الجواب حيث قلنا إن الانطباق على ما ذكره القرافي وصاحب الإيضاح واضح به ويندفع قول المعترض أولا أنه غير واضح والعجب كيف أدعى عدم وضوحه أولا وظهوره آخرا. قوله وأما الجواب عن السؤال الخامس إلى آخره. أقول ما ادعاه من أن كون العلاقة في الآية المشابهة يخرجها عن باب المشاكلة إلى باب الاستعارة ممنوع فإنه لا تلازم بين المشابهة والاستعارة وإن كان كل استعارة علاقتها المشابهة فليس كل ما علاقته المشابهة استعارة بدليل أن المحققين على أن التشبيه المقدر فيه الأداة نحو صم بكم عمي يسمى تشبيها بليغا لا استعارة وهو ظاهر بلا شك وإذا كان هذا فيما قدرت فيه الأداة فما ظنك بما صرح فيه بلفظ مثلها فالآية لذلك خارجة عن باب الاستعارة داخلة في باب المشاكلة والعلاقة المشابهة لما تقرر من منع الملازمة. وقوله فإن المشاكلة على ما ذكره التفتازاني هي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته هذا من نمط ما قدمته من أنكم تقتصرون في هذه الأمور على كتب مثل التفتازاني وتضربون عن غيرها صفحا وإلا فما وجه نقل مثل هذا الكلام عنه وهو في متن التلخيص الذي التفتازاني شارح كلامه بل وفي كلام السكاكي من قبله وأطبق عليه أهل البديع قاطبة ومثل هذا حقه أن يقال فيه قال أهل البديع وإلا فالنقل عن التفتازاني يشعر بأنه قال من عنده ولم يسبق إليه ويشعر أيضا بغرابته فإن النقل لكلام عن متأخر مع وجوده في كلام المتقدمين عيب فما ظنك إذا كان في كلام أهل الفن قاطبة وإنما ينقل عن المتأخر ما قاله من عنده بحثا مخالفا لما قبله أو تحقيقا لكلام من تقدمه أو نحو ذلك. وقوله إنما ذكر من أن العلاقة الشبه لا يتمشى في قوله اطبخوا لي جبة صحيح وهو اعتراض حسن وليس في هذه الاعتراضات أقعد منه. وجوابه أنه لم أدع أن الشبه علاقة نوع المشاكلة من حيث هو حتى يلزمني تمشيتها في جميع أفرادها إنما أدعيت أنه علاقة الآية لظهورها فيها. وأما علاقة أصل المشاكلة فقد ذكرتها قديما في كتابي شرح ألفية المعاني استخراجا بفكري ثم ظهر لي أخذها من قول صاحب التلخيص حيث قال المشابهة هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته. فقوله ذكر الشيء بلفظ غيره صريح في أنها من باب المجاز. وقوله وقوعه في صحبته إشارة إلى العلاقة وهي الصحبة والمجاورة في اللفظ كما سميت القربة راوية لمجاورتها للجمل المسمى بها حقيقة فهذه هي علاقة أصل المشاكلة. وقوله وأما الجواب عن السؤال السادس فهو كما ذكره. أقول إن كان هذا تسليما لصحة الجواب فهو المقصود وإن كان تسليما لعزوه وهو الظاهر بقرينة ما عقبه من الأشكال فجوابه أنه لا إشكال عند التأمل واللمحة المشيرة إليه أن دقائق أهل المعقول لا يعبأ بها أهل الفقه وحملة الشرع الذي مرجع التكليف إليهم والله أعلم. وكتبه يوم الاثنين التاسع والعشرين من رجب سنة ثمان وسبعين وثمانمائة وسميته الجواب المصيب عن أسئلة اعتراضات الخطيب. مسألة: أيا عالما أضحى به الدهر باسما * يشبه بالدهر القديم وبالصدر تأمل رعاك الله قولي فإنني * جهول به لكنه جال في فكري فلم أجد الشافي لدائي فلم أزل * أفتش في أهل الفضائل والذكر فدلني العقل السليم عليكم * لأنكم أهل المآثر والفخر وفضلكم في الناس أشهر من قفا * وخيركم عم البوادي مع الحضر فجردته كي تسعدوني تفضلا * علّي لتحظوا في القيامة بالأجر وأنشره في الناس من بعض فضلكم * مضافا إلى ما كان في سالف العمر فقد ورد التصحيح في كل مسند * بأن إله العرش ينظر في الحشر ولم ير في الدنيا فما القول ههنا * وما حكمة في المنع يا عالم العصر وقد ينزل المهدي عيسى لأرضنا * فيكسر صلبانا كما صح في الذكر فهل ثم صلبان وفي الأرض عصبة * تقوم على حق إلى آخر الدهر وهل صح أن المصطفى سيد الورى * رسول إله العرش خصص بالفخر يقول بأن الخير فيّ وأمتي * ليوم قيام الخلق في موقف الحشر وما رسل الجن الذي جاء ذكرها * صريحا بنص القول في محكم الذكر وهل لنبي الله هرون لحية * ترى في الجنان إذ به النص في الذكر وهل في جنان الخلد قوم تعاشروا * جمالا وترعى في مراتعها الخضر وتشرب من أنهارها هل مساعد * لناقل هذا أو يقابل بالنكر ومن هو بعد الختم يدعو لميت * بتسمية هل في المقالة من نكر وما الحين أن قال امرؤ في يمينه * لزوجته لا جئت حينا من الدهر وما جاء في التحذير من ضرب أوجه * على صورة مخلوقة صح في الأثر وما شرحه ما القول فيه محققا * لعلكم تنجو من النار والوزر وهل أن تبكر مرأة ببنية * من اليمن قول ناقلوه ذوو خبر وإن ماتت الأولاد من أهل ذمة * قبيل بلوغ ما يكونون في الحشر أفي نار أو في جنة فاز أهلها * بمقعد صدة مع كثير من الأجر تفضل وجد يا سيدا فاق عصره * بكل جواب لو يوازن بالتبر لكان قليلا طال عمرك للورى * تبث علوما ما حييت مدى الدهر وصلى إله العرش جل جلاله * على أحمد المبعوث بالفتح والنصر وأصحابه والآل ما طار طائر * على فنن أو حن وحش إلى وكر الجواب: ألا الحمد لله المنزل للذكر * وأتبع حمدي بالثناء وبالشكر وصلى إله العرش ما لاح كوكب * على المصطفى المختار ذي المجد والفخر سألت عن الباري يرى في قيامة * ولم ير في الدنيا سوى للذي أسري وحكمته ضعف القوى لأولى الدنا * فغير مطلق رؤية الواحد البر ولم يكن الباري القديم يرى بحا * دث بصر قد قال بعض أولي الخبر ولما يكون البعث تعظم قوة * بجعل إلهي فاستطاع ذوو القدر وأقدر رب العرش حقا نبيه * على رؤية الباري فناهيك من فخر وصلبان كفر في البلاد كثيرة * يعقبها عيسى إذا جاء بالكسر وكم بلد فيها كنائس جمة * وصلبان كفر في بلاد أولي الكفر وأما حديث الخير فيّ وأمتي * فلم يأتي هذا اللفظ في سند ندري ولكن بمعناه حديث بعصبة * تقوم على حق إلى آخر الدهر وفي الجن رسل أرسل الرسل عنهم * لأقوامهم وهي المسماة بالنذر وما في جنان الخلد ذو لحية يرى * سوى آدم فيما رويناه في الأثر وما جاء في هرون الذهبي قد * رأى ذاك موضوعا فكن صقيل الفكر ولم أر في أمر الجمال مخبرا * من النقل والآثار ليست مدى حصر ومطلق حين لحظة ثم من دعا * لميته في الختم ليس بذي نكر وعن ضَرب وجه صح نهى لفضله * وفي الصورة التأويل غير أولي الخبر على أوجه شتى حكاها محققو * أولى السنة الغراء أيدت بالنصر فأسلمها إذ لا تكون مفوضا * إضافة تشريف كروحي وما يجري كما قيل بيت الله أو ناقة له * أضيفت ففي هذاك مقنع ذي ذكر وأما حديث اليمن في اللائي بكرت * بأنثى فواه لا يصح فطب وأدرى وأولاد أهل الكفر قبل بلوغهم * فأمرهم لله فهو الذي يدري فذا القول صححه وصحح بعضهم * بأنهم في جنة مع أولي البر فهذا جواب ابن السيوطي راجيا * نوالا من الرحمن في موقف الحشر مسألة: أيا عالما قد فاز بالرشد سائله * أواخر أهل العلم صارت أوائله جوابك في قول بمختصر نمى * إلى زاهر عما حكا فيه قائله بأن سليمان النبي بدا له * نواريز أعياد أتتها فعائله وتجتمع الأجناس فيها بجمعهم * وتهدي هدايا للنبي تقابله وأن بوقت قد هدت فيه نملة * له نبقة لم تكترثها شمائله فقالت بكسر القلب تبغي قبولها * وتذكر ما أبقي إليها تمايله على المرء حق فهو لابد فاعله * وإن عظم المولى وجلت فضائله ألم ترنا نهدي إلى الله ماله * ولو كان عنه ذا غنى فهو قابله ولو كان يهدى للجليل بقدره * لقصر ماء البحر عنه مناهله وأن نبي الله أوحي له إذن * أن أقبل فقد أبكي المقال وقائله لأهل السما والأرض هذا مقالة * بمختصر قلناه معنى تفاصله فهل في اعتراض في مقالة قائل * ولو كان عنه ذا غنى فهو قائله وهل تحتمل لو للغنى أو لغيره * ابن عالما في الدهر ضاءت دلائله ووالد خضر في الورى يعلم اسمه * وأن تعلموا هذا فماذا قبائله وهل من يقين جازم في حياته * ابن ما خفي يا عالما عم وابله لكم جنة المأوى تزاهت قصورها * وأجركم فيه تناهت وسائله الجواب: بحمد إلهي ابتدى ما أحاوله * وأتبعه شكرا تزيد نوافله وأتبع هذا بالصلاة على الذي * بتخصيصه عم الأنام رسائله محمد الهادي النبي وآله * وأصحابه ما در بالقطر وابله نعم قول لو فيه اعتراض موجه * وواجبه أن يصلح القول قائله ووالد خضر إن تسائل عن اسمه * ففيه أقاويل حكتها أوائله فقيل ابن ملكان وقيل ابن مالك * وقيل ابن عاميل بن عيص قبائله وقيل ابن فرعون وقيل ابن آدم * وقيل ابن قابيل الذي هو قاتله وأكثرهم يختار فيه حياته * إلى أن يجى الدجال حالت مقاتله فهذا كلام فيه تحرير مقصد * وهذا جواب للذي أنت سائله فخذها عروسا من محب ومهرها * دعاء يرجى أن يرى الله قائله وأن ابن الأسيوطي قد خطه على * مناهجه حتى تجلت دلائله مسألة: ما القول للحبر والبحر المحيط ومن * زان الوجود به الخلاق للبشر في مشتري يوسف الصديق حين له * باعوه إخوته بالبخس في الذكر هل يملكون الذين الآن بيع لهم * ما ذلك الأمر يا مخصوص بالأثر وفي قضية يحيى حيث مات وقد * صحت حياة أبيه الطهر في الخبر وكان من قبل يدعو ربه طلبا * نجلا يورثه في مدة العمر من آل يعقوب ميراثا بذاك أتى * نص المهيمن بالأخبار في الزبر والحكم في الدين أن الإرث يأخذه * مخلف بعد مقبول بلا نكر ما الشأن في ذاك يا مفتي الأنام ومن * أبدى الفوائد حتى صار كالقمر وهل تصحح للراوي روايته * فيما روى عن رسول الله في أثر من لا إمام له إن شا يموت كذا * يهودا أو غيره من عصبة الكفر أولا وأن صح هذا القول مرجعه * إلى إمام الهدى المعروف للبشر للمؤمنين أمير وهو سيدنا * سلطاننا لا يرضى منه في خفر أو غيره أفتنا أنت الإمام لنا * في مشكل غرة في جبهة الدهر أثابك الله جنات النعيم بما * أبنت من غرر يشرقن كالدرر بجاه خير الورى الهادي لأمته * من الضلال وحاميهم من الضرر الجواب: الحمد لله باري الخلق والبشر * ثم الصلاة على المختار من مضر لم يملك المشتري الصديق قط ولا * يظن هذا ببيع الحر فاعتبر وإرث يحيى لعلم لا لمال أب * فالأنبيا إرثهم حظر على البشر وبعضهم وهو الطيبى قال بأن * قد أخرت دعوة فيه بلا ضرر وفي الامام أحديث بذا وردت * وهو الخليفة فافهمه ولا تحر
بسم الله الرحمن الرحيم سؤال ورد من الشام صورته: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وعلماء المسلمين وفقهم الله لطاعته أجمعين في عوج بن عنق هل كان له وجود في الخارج في الزمن الماضي أم لا فإن لم يكن له وجود في الخارج أصلا فما الجواب عما وقع في غالب التفاسير كتفسير القرطبي والبغوي فإنه ذكره في أربعة مواضع متفرقة على ما اطلعت عليه والكرماني وابن الخازن والثعلبي وابن عطية وغيرهم من المفسرين من التنويه بذكره وتكرار قصته في مكان بعد آخر على أن القرطبي والثعلبي نقلا ذلك عن ابن عمر والكرماني في تفسيره نقله عن ابن عباس. وإن كان له وجود فهل بقي إلى زمن موسى عليه السلام وهلك على يده أو هلك في الطوفان مع من هلك فإن قلتم ببقائه إلى زمن موسى عليه السلام فما الجواب عن قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) فإنها عامة أو بهلاكه مع من هلك بدعاء نوح عليه السلام من الكافرين فما هذا الذي وقع للبغوي في تفسيره من إدعائه اتفاق العلماء على هلاكه على يد موسى عليه السلام عند تفسير قوله تعالى (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة) الآية ولغيره كالثعلبي من إدعاء الإجماع على ذلك، وهل كان طوله هذا الطول العظيم الذي ذكره المفسرون وهو ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة ذراع وثلاث وثلاثون ذراعا وثلث ذراع أو كان كآحاد بني آدم فإن كان طوله ما ذكر فما الجواب عن حديث (إن الله خلق آدم على صورته ستون ذراعا ثم لم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن) وهل وجد من البشر من قوم عاد أو غيرهم من كان طوله أكثر من ستين ذراعا أو لم يوجد أحد فإن بعض الناس تمسك بالحديث المذكور وقال لا يمكن أن يوجد من البشر خلق أطول من آدم عليه السلام ونفى وجود ابن عنق من الأصل وقال لم يوجد في العالم شخص اسمه هذا الاسم وادعى أن جميع ما وقع للمفسرين في تفاسيرهم من ذلك كذب واختلاق. والمسؤول بسط الجواب والكلام على الحديث المذكور و الآية المذكورة أولا وهل الآية والحديث من العام الذي لم يخص وبقي على عمومه لعدم المخصص أم لا وذكر موقع للمفسرين في ذلك على طريق البسط والإيضاح وذكر الصواب في ذلك كله وهل تعرض أحد لضبطه وضبط اسمه أفتونا مأجورين أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه. الجواب: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قال العلامة شمس الدين بن القيم في كتابه المسمى بالمنار المنيف في الصحيح والضعيف: من الأمور التي يعرف بها كون الحديث موضوعا أن يكون مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه كحديث عوج بن عنق الطويل الذي قصد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء فإنهم يخبرون على هذه الأخبار فإن في هذا الحديث أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث وأن نوحا عليه السلام لما خوفه الغرق قال له احملني في قصعتك هذه وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه وأنه خاض البحر فوصل إلى حجزته وأنه كان يأخذ الحوت من قرار البحر فيشويه في عين الشمس وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى وأراد أن يرصعهم بها فقورها الله في عنقه مثل الطوق. وليس العجب من جرأة مثل هذا الكذاب على الله إنما العجب ممن يدخل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره ولا يبين أمره وهذا عندهم ليس من ذرية نوح وقد قال تعالى (وجعلنا ذريته هم الباقين) فأخبر أن كل من بقي على وجه الأرض فهو من ذرية نوح فلو كان لعوج وجود لم يبق بعد نوح. وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) وأيضا فإن بين السماء والأرض خمسمائة عام وسمكها كذلك وإذا كانت الشمس في السماء الرابعة بيننا وبينها هذه المسافة العظيمة فكيف يصل إليها من طوله ثلاثة آلاف ذراع حتى يشوي في عينها الحوت، ولا ريب أن هذا وأمثاله من وضع زنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا الاستهزاء والسخرية بالرسل وأتباعهم. انتهى كلام ابن القيم. وتابعه على ذلك الحافظ عماد الدين بن كثير فقال في كتابه البداية والنهاية قصة عوج بن عنق وجميع ما يحكون عنه هذيان لا أصل له وهو من مختلقات زنادقة أهل الكتاب ولم يكن قط على عهد نوح ولم يسلم من الغرق من الكفار أحد. قلت وقد أخرج ابن المنذر في تفسيره بسنده عن ابن عمر قال طول عوج ثلاثة عشر ألف ذراع وعوج رجل من قوم عاد يغدو مع الشمس ويروح معها. وقد أورد بعض المصنفين هذا في تأليفه ثم قال وهذا مما يستحي الشخص أن ينسبه إلى ابن عمر ولضعفه عنه قال وردّ ذلك آخرون بما ثبت في الصحيح أن الله تعالى خلق آدم ستين ذراعا ثم ما زال الناس ينقصون حتى اليوم قال وأجاب بعضهم عن هذا بأنه على الغالب والأكثر وغير منكر أن يطول الأولاد عن آبائهم. وقال صاحب القاموس: عوج بن عنق بضمهما رجل ولد في منزل آدم فعاش إلى زمن موسى وذكر من عظم خلقه بشاعة. وقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا أبو مسلم الكجي ثنا معمر بن عبد الله الأنصاري ثنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود قال كان طول موسى عليه السلام اثني عشر ذراعا وعصاه اثني عشر وثبته اثني عشر فضرب عوج بن عنق فما أصاب منه إلا كعبه. وقال أبو الشيخ بن حيان في كتاب العظمة حدثنا إسحاق بن جميل ثنا أبو هشام الرفاعي ثنا أبو بكر بن عياش ثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان أقصر قوم عاد سبعين ذراعا وأطولهم مائة ذراع وكان طول موسى سبع أذرع وطول عصاه سبع أذرع ووثب في السماء سبع أذرع فأصاب كعب عوج فقتله. وقال أنا أحمد بن الحسن الصوفي ثنا على بن الجعد أنا أبو خيثمة زهير عن أبي إسحاق الهمذاني عن نوف قال إن سرير عوج الذي قتله موسى طوله ثمانمائة ذراع وعرضه أربعمائة ذراع وكان موسى عشر أذرع وعصاه عشر أذرع ووثبته حين وثب عشر أذرع فأصاب عقبه فخر على نيل مصر فحسره للناس عاما يمرون على صلبه وأضلاعه. وقال ثنا أحمد بن محمد المصاحفي ثنا محمد بن أحمد بن البراء ثنا عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال ذكر وهب بأن عوج بن عنق كانت أمه من بنات آدم عليه السلام وكانت من أحسنهن وأجملهن وكان عوج ممن ولد في دار آدم وكان جبارا خلقه الله كما شاء أن يخلقه ولا يوصف عظما وطولا وعمرا فعمر ثلاثة آلاف سنة وستمائة سنة وكان طوله ثمانمائة ذراع وعرضه أربعمائة ذراع حتى أدرك زمان موسى عليه السلام وكان قد سأل نوحا أن يحمله مع السفينة فقال له نوح لم أؤمر بذلك أي عدو الله أغرب عني فكان الماء زمان الغرق إلى حجزته وكان يتناول الحوت من البحر فيرفعه بيده في الهواء فينضجه بحرّ الشمس ثم يأكله وكان سبب هلاكه أنه طلع على بني إسرائيل وهم في عسكرهم فحزره حتى عرف قدره وكان عسكرهم فرسخين في فرسخين فعمد إلى جبل فسلخ منه حجرا على قدر العسكر ثم احتمله على رأسه يريد أن يطبقه عليهم فأرسل الله هدهدا ليريهم قدرته فأقبل وفي منقاره خط من السامور فجاءه الحجر على قدر رأس عوج وهو لا يدري ثم ضرب بجناحه ضربة فوقع في عنقه فأخبر موسى خبره فخرج إليه ومعه العصا فلما نظر إليه موسى حمل عليه فكان قامة موسى وبسطته سبع أذرع وطول العصا سبع أذرع ووثبته إلى السماء سبع أذرع فضربه بالعصا أسفل من كعبه فقتله فمكث زمانا بين ظهراني بني إسرائيل ميتا. قلت هذا الخبر باطل كذب آفته عبد المنعم بن إدريس. قال الذهبي في الميزان قصاص ليس يعتمد عليه تركه غير واحد. وأفصح أحمد بن حنبل فقال كان يكذب على وهب بن منبه. وقال البخاري ذاهب الحديث. وقال ابن حبان يضع الحديث على أبيه وعلى غيره. وقال الحافظ ابن حجر في اللسان نقل ابن أبي حاتم عن إسماعيل بن عبد الكريم قال مات إدريس وعبد المنعم رضيع. وكذا قال أحمد إذا سئل عنه لم يسمع من أبيه شيئا. وقال ابن معين كذاب خبيث. وقال الفلاس متروك. وقال أبو زرعة واهي الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم ذاهب الحديث. وقال ابن المديني والنسائي ليس بثقة انتهى. وما رأيتهم أوردوا حديثا من روايته إلا حكموا عليه بالبطلان. وفي كتاب الموضوعات لابن الجوزي من ذلك شيء كثير بل ذكر ابن الجوزي أن أباه إدريس أيضا متروك فسقط هذا الخبر بالكلية. والأقرب في أمره أنه كان من بقية عاد وأنه كان له طول في الجملة مائة ذراع أو شبه ذلك لا هذا القدر المذكور وأن موسى عليه السلام قتله بعصاه هذا القدر الذي يحتمل قبوله والله أعلم. مسألة: عبيد جاء مغترفا وفاء * من البحر الذي هو جبر كسرى إمام عالم حبر وبحر * سما فضلا على زيد وعمرو لخلق الله لم يسمح زمان * بمثل علومه بدوام دهر وما في العصر مجتهد سواه * تفرد كم له ثان بشكر بنعليه على أرقاب قوم * هم الحساد قد ماتوا بقهر فموتوا حاسديه أما تروه * بخير علومه صرتم بشر جلا مرآة فقرى من جلاها * جلال الدين أنت فريد عصري فيا عين الزمان فكم غريب * أتيت به تقرره وتقرى بفضلك جدو سدوارق المعالي * فكم أبرزت من طي ونشر رثيت بحرقة يا بحر نجلى * ورحبي ضاق من ضيقان صدري وقلبي بالنوى أضحى حريقا * وبحر الدمع من عيني يجري لنجل كان لي ما لي سواه * عليه يا إمام ضاع صبري قضى بفنائه الباقي دواما * وقد سلمت للأحكام أمري رثيت إذا وفكري في اشتغال * برقم عاجل سطرا بسطر فعاب رثاء ما أبديت شخص * لشعر لم يكن يا حبر يدري لقولي ابريسم الأفراح فيه * وكتان أضفت له بحري فكتكته الأسى فغدا مشاقا * وهذا قلته يا خير حبر فدار به على النظام لما * رأوه غاليا في السعر شعري فمن حسد له أبدوا هجاء * فهل لمقابل النعما بكفر لأهل الفضل جئت به أجابوا * برقم عنه تبيانا بشكر وها هم خطأوا من قال هجوا * وقالوا حاسد أضحى بخسر ومنهم من أجاب عليه نظما * وكم من قابل الهاجي بنشر فلو أبصرت هجوهم و هجوى * لقلت رأيت تبنا عند تبرى لهم قد جئت ميدانا لحرب * وأطلقت اللسان وجال فكري فجد بنفيس درك لي بشيء * لأكسرهم به ويكون نصري ففهمي مثل رشح الكوز أضحى * وأنت البحر كن يا بر جسري ونجل البرد دار يكون منكم * قبولا سيدي مع بسط عذري فدم وأسلم وعش ما دام بدر * ونجم حوله في الليل يسري بجاه محمد خير البرايا * شفيع الخلق طه يوم حشري عليه وآله والصحب جمعا * صلاة ما انقضى ليل بفجر وما غنت على الأوراق ورق * بتلحين على ورد وزهر جوابه لشيخنا: سرحت أفكاري والعلم راق * والجهل بالأشياء مر المذاق في بيت شعر قاله شاعر * يجري مع الحلبة عند السباق ابريسم الأفراح من بعده * كتكته الحزن فأضحى مشاق وقول من أنكر ألفاظه * وأنها معدودة في النعاق لا وجه للإنكار في هذه * فكلها بالاستعارات راق وقد أتى في خبر المصطفى * لفظ مشاق عربي انبثاق ونص أهل العلم في كتبهم * وأودعوه في بطان البطاق مسألة الكتان والشعر مع * ابريسم تدعى المشاق المشاق وقوله كتكته وجهه * أهزله صيره في الرقاق فذاك معنى لغويّ له * نقل أتى في الكتب بين الرفاق وفيه معنى آخر ريق * يدركه ذو العلم بالاشتقاق تصريف فعل عربي أتى * من لفظ تركي إليه استباق من كت بمعنى رح فتأويله * اذهبه صيره في انمحاق فذاك حسن بعد حسن غدا * يشاق للألباب لما يساق وحق من ذلك من شعره * أن يلحظوه بالحداق الحذاق وقد أتى مستفردا طالبا * إجازة تدرجه في الطباق أجزته بالشعر فهو الذي * يحق أن يقضى له باللحاق بشرط تقوى الله في شعره * وتركه الهجو وما لا يطاق والحمد لله على نعمة * يضيق عن شكري فيها النطاق ثم صلاة الله تهدى إلى * أفضل من أهدي إليه البراق مسألة: يا حاوي اللطف والمعاني * بديعه بهجة وظرف ويا سنى المجد في المباني * منطقه معرب ولطف أمنن بكشف عن اسم طير * النصف ظرف والنصف حرف الجواب: يا من أتى لغزه المعمى * يبتغي للأنام كشف هو اسم طير إن صحفوه * فثمر بالندى يحف أو حشف يابس تراه * مرادفا بالثرى يجف وإن يكن في ابتداء عين * فمغرم للمنام يجف أو أبدلوا باءه بواو * فذاك كلب وفيه عرف أو أبدلوا باءه براء * فإنه في القلوب طرف أو أبدلوا ياءه بنون * فإنه قد عراه عرف وإن ترخمه فهو راش * للترك كل إليه يقفو وذيله دائر محيط * يضمه في الكتاب صحف هذا جوابي غزير معنى * وفيه لطف وفيه ظرف والله سبحانه وتعالى أعلم.
[تنبيه]: وجد في بعض النسخ التي كنا نراجع عليها أثناء الطبع في آخرها ما نصه: وكان الفراغ من تعليق هذه النسخة المباركة في سلخ شهر محرم الحرام افتتاح عام سنة تسعين وتسعمائة أحسن الله عاقبتها وما بعدها آمين بجاه سيدنا محمد خير النبيين وآله وصحبه أجمعين. وذلك على يد أقل عبيد الله وأحوجهم إلى عفوه وأسير وصمة ذنبه المعترف بالعجز والتقصير راقم هذه الأحرف عبد الرزاق بن عبد المحسن الشعراوي الشافعي غفر الله له ولوالديه ومشايخه ولمؤلف هذا الكتاب ومطالعيه ولمن دعا لهم بالرحمة والمغفرة آمين آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا وحسبنا الله ونعم الوكيل. وكتبت هذه النسخة المباركة وهي الفتاوى للإمام العالم العلامة الشيخ جلال الدين السيوطي نفعنا الله ببركاته من نسخة الشيخ محمد الداوودي وقال بخطه فيها : هذا آخر ما وقفت عليه من الفتاوى لشيخنا رحمه الله ونفعنا والمسلمين ببركاته وبركات علومه آمين آمين آمين.
|